مقال : رجالا حكموا مصر .. !!

نشر هذا المقال بجريدة الدستور المصرية عدد () .. بتاريخ ()

على الرغم من انني لست من عشاق (جمال عبد الناصر) و لا من رواد التيار اليساري و لا ارى الا تلك البقعة السوداء على الثوب الناصري التي كانت يوما ما بلون دماء اسرانا و شهدائنا في نكسة 1967 ثم تعفنت و اتسخت و تحولت الي اللون الاسود القاتم الا انني اكن احترام من نوع خاص لذلك الكيان الضخم الذي استطاع و منذ قيام الثورة ان يكون نجم شباك الشارع العربي لما يمتلك من موهبة فذة في مخاطبة الجماهير و الضرب على اوتارهم المشدودة للتصاعد نغمة ثورية كانت الثمة الغالبة لفترة حكمه الذي امتلئ بنجاحات معقوله و سقطات مدوية و لكن في النهاية هو (عبد الناصر) الرمز .. (عبد الناصر) الثورة .. (عبد الناصر) ابن الشعب .. الرجل الصعيدي - الجدع – ذو الدماء الحارة .. الذي احتل مساحة لا بئس بها من ذاكرة الوجدان العربي الذي يرى (ناصر) رمز الشموخ العربي الضائع .

ثم اتى (السادات) بكل الجدل الذي اثير من حوله – و اعترف انني شخصيا مغرم بهذا الكيان الضخم ايضا بطل الحرب و السلام .. الذي اهتم و منذ اللحظة الاولى التي تولى فيها الحكم بالتخلص من تلك العصابة التي كانت تحكم البلاد من الباطن و من حسن حظه انه اتى بعدما تخلص (ناصر) من المشير (عامر) الرجل الذي كان يحكم مصر فعليا بعد معارك داخليه كلفت مصر الكثير فكانت مهمة (السادات) اسهل في التخلص من بطانه (حكيم) الفاسده و من ثم الانفراد بحكم مصر من اجل الاعداد لمعركة استعادة الارض .. و برغم موجة الغضب و الحنق العربي التي اثيرت حول (السادات) بعد اتفاقيات السلام التي كانت ضرورية بعدما عانت مصر داخليا و خارجيا من ويلات الحرب الا انني ارى ان السادات قد حجز مكانا بارزا في صفحات التاريخ الناصعه على الرغم ايضا من كل تلك الهرطقات التي سقط فيها البطل بعدما انتصر في معركته لكنه سيبقى (السادات) الرئيس المؤمن .. السادات القائد العسكري المحنك .. الذي رد للكرامة المصرية كيانها المفقود .

و ارسل الله الينا من بعدهم (مبارك) الرجل العسكري المجتهد قائد القوات الجوية في حرب اكتوبر و نائب الرئيس الراحل السادات .. تاريخ مبارك الانساني و العسكري ناصع البياض طالما ارتدى البذة العسكرية فكان من الرجال المشهود لهم بالكفاءة كقائد من العيار الثقيل و انسان مخلص مجتهد بل شجاع ايضا يتمتع بقدر لا بئس به من الحكمه تؤهله لان يكون الرجل الثاني بعد (السادات) .. و للقدر كلمته التي توجت مبارك علينا رئيسا و ملكا فابلى الرجل بلائا حسنا في بدايه عهده مما ادى الي ارتفاع معدلات النمو كما سارت مباحثات السلام كما خطط لها (السادات) و تم الافراج عن المعتقلين و هلت اهلة الديموقراطية التي ارسى قواعدها الرئيس الراحل .. باختصار شديد وصلت مصر لمرحلة من الاستقرار لم تشهدها منذ فترات سحيقة في اول عهد (مبارك) .. و ان كان هذا يحسب في المقام الاول (للسادات) حيث لم يتعد دور مبارك كونه منفذ جيد لرؤى (السادات) المستقبلية .

لم يدرك مؤيدي مبارك ان الرجل وصل لنهاية المنحنى المتصاعد بعدما نفذت خطط (السادات) الموضوعه و انه سيأخذ في الهبوط منذ انتهاء فترة ولايته الاولى .. انكشف النقاب عن رجل محدود الامكانيات سياسيا .. اصطبغ كليا بالوان بذته العسكرية التي لا تسمح بالنقاش و لا تعرف سوى السمع و الطاعة .. فزادت رقعة الفساد من حوله بل اصبحت الداعمة لامنه و استقراره الشخصي .. لم يقف (مبارك) يوما موقف (ناصر)الذي حاول التخلص من الفساد المتمثل في المشير بشتى الطرق الي ان نجح يوما ما .. و لم يعش ايضا دور (السادات) الذي نجح في التخلص من بطانه المشير الفاسدة .. لقد انتهج الرجل الجديد نهجا جديدا .. اكتشف من خلاله ان بقاءه الشخصي في الحكم يعتمد في الاساس على وجود تلك البطانة القذرة التي تسيطر على البلاد .. فترك الشعب و الدولة لتلك البطانة تبيع و تشتري فيهم مقابل الحكم المطلق و الصلاحيات الآلهيه التي يتمتع بها (مبارك) الآن .

عندما يخرج (مبارك) من الحكم لاي سبب كان - و ان كنت اؤمن بنسبة تتجاوز ال 100 % ان مبارك لن يخرج الا لاسباب آلهية و قدرية بحتة - ليخلف مبارك الصغير من بعده فانه لن يحصل على اية القاب و لن تجد محب حقيقي للرجل و لن تستطيع كانسان عادي ان تنعي الرجل بقائمة انجازات الا اذا كنت ترى ان الكباري و المستشفيات و الاستفتاءات الباطلة و التعديلات المسمومة انجازات تاريخية تؤهله لان يدخل دنيا التاريخ من بوابه العظماء ! .